الأحد، 20 فبراير 2011

وتُقَدَّرون فتسخر الأقدار



وتُقَدَّرون فتسخر الأقدار
********************
بقلم : خديجة المصرية
لقد قرأت يوما كلمة من أجمل ما قرأت تقول " إن الحق لم يصبه الناس في كل وجوهه ولا أخطأوه من كل وجوهه بل أصاب منه كل إنسان جهةً ومثال ذلك عميان انطلقوا إلى فيل , فأخذ كل واحد منهم جارحةً منه فجسها بيده ومثلها في نفسه ثم انكفأوا . فأخبر الذي مس الرجل أن خلقة الفيل طويلة , مدورة , شبيهة بأصل الشجرة والنخلة . وأخبر الذي مس الظهر ان خلقته شبيهة بالهضبة والرابية المرتفعة , واخبر الذي مس مشفره أنه شيء لين لا عظم فيه , وأخبر الذي مس أذنيه أنه منبسط , رقيق , يطويه وينشره فكل واحد قد أدى بعض ما أدرك وكل يكذب صاحبه ويدعى عليه الخطأ والغلط والجَحْد في ما يصفه من خلق الفيل فانظر إلى الصدق كيف جمعهم وانظر إلى الخطأ كيف دخل عليهم حتى فرقهم "
لذلك لم أكن يوما أتبع جماعة دون غيرها من الجماعات ولم انتمى يوما لحزب من الأحزاب . ليس خوفا من أحد ولا نفاقا أو مجاملة لأحد لكنى فقط أدركت أن كلنا مصيب ومخطأ. هذا ما كنت دوما أقوله مرارا وتكرارا ولا أحيد عنه. وكنت دائما أحيى بروح التفاؤل والأمل بالرغم مما يحدث ويدور حولنا لكن كنت دائما مؤمنة وعلى يقين أن دوام الحال من المحال وأنه لابد وأنه هناك مخرج وسيكون على أيدينا أو بأيدينا لا بأيدي أحد.
إلى أن دارت أحداث ثورة 25 يناير التي جعلت الخواطر والأفكار والمشاعر تتأرجح داخلي. فحضرتني صورة لذلك الشباب حيث كان يتظاهر يوما استنكاراً لما تفعله إسرائيل بإخواننا في فلسطين ثم رأيتهم يُضْرًبون بوحشية وانتقاماً ضرباً كسر عظامهم. رأيت تلك الصورة بأم عيني فأذهلتني ثم لم تدعني حتى سكنت خلف ضلوعي. وحضرتني صورة أخرى للطفل الشهيد الذي قتلته اليد الغاصبة لأرضه وعرضه على مرأى ومسمع من العالم بأسره. ولم يحول دون أو بينها وبين قتلته حائل. تلك الصورة التي صبت في الفؤاد أنيناً , إنها صورة الطفل الشهيد محمد الدرة.
وحضرتني صورة ثالثة وهى لشاب يصغرني بعدة أعوام لكنى لمست فيه عقلاً فاق عقلي كنا نتناقش ونتبادل الحوار فبادرته القول أنى أتهم الشباب الذي يعول عليه مصير الأمة بالسلبية وضعف الإرادة. فقال لي وماذا عسانا أن نفعل ؟! لقد قالت مسئولة من المسئولين أن خريجي الكليات النظرية ليس أمامهم إلا أن يعملوا كأفراد أمن. ماذا أفعل ألقى بنفسي في البحر الآن ؟! فقلت بانفعال لماذا تقول هذا الكلام ؟! بعدما تأثرت بكلامه فخفض رأسه في حياء وقل أنه كان يمزح. لقد أثارت وأثرت تلك الصورة فكرى وحسي.
تذكرته لما رأيت هؤلاء الثوار وتمنيت لو قابلته مرة أخرى لأقول له لقد خيب الشباب ظني – عاش شباب مصر الأحرار – لأني لما رأيت هؤلاء الثوار وقد خرجوا معبرين عن غضبهم إزاء تلك الأوضاع المؤسفة ومطالبين بحقوقهم المشروعة اكتحلت عيناي كما قيل . وانشرح صدري ووددت لو كنت معهم وشاركتهم وضممت صوتي إلى صوتهم. لقد سمعت أحد هؤلاء الشباب يقول مبتسما نحن فى وضع غير عادى ولكنه رائع – يقصد الثورة.
وفى غضون أيام من ميلاد الثورة ومازالت الخواطر والأفكار تتأرجح بذهني يحضرني صورتين من مقام مختلف تماما على النقيض من الصور الأولى ولا أدرى لماذا هاتين الصورتين تحديدا دون غيرهما. الصورة الأولى صورة فرعون عندما نقب في البلاد عن كل طفل يولد فيقتله فأخرج الله عز وجل عدوه من بيته هو الذي أمر له بالمراضع وهو الذي رباه لذلك قال له مندهشا بعدما بلغ أشده - فرعون لسيدنا موسى - والقرآن يقول على لسانه " ألم نربك فينا وليدا ولبثت فينا من عمرك سنين " واستشعرت حينها عظمة الله وقدرته وحوله وقوته وحكمته التي لا تحدها حدود. والصورة الثانية صورة ألد أعداء الإسلام في بداية الدعوة وتذكرت كيف كانت نهايته على يد غلامين صغيرين استبقا معا لقتله فأصابه الغلامين فقتلاه. وقلت في نفسي إنه لعمري لهوانٌ ما بعده هوان وذل ما بعده ذل , ولا أدرى حقيقة لماذا هاتين الصورتين قد تبادرتا إلى ذهني وقد تفكرت فيهما.
لا أحد ينكر ولن يستطيع أحد أن ينكر أن ما حدث في ثورة 25 يناير وتداعياتها كان بتقدير الله وتدبيره . إنها خاتمة أرادها الله سبحانه وتعالى للبعض بما اكتسبت أيديهم ولا معقب لحكمة ... لقد سألوا كاتبا أكنت تتخيل يوما أن تكتب قصة تدور أحداثها بهذا الشكل قال: لا ... لقد صدق لأنه ما كان ليخطر بقلب بشر , لأنه إعداد وإخراج رباني أدهش وأذهل أصحاب العقول فصدق الله " إن ربك لبالمرصاد " فكيف كنا نفسر " ويمكرون ويمكر الله " وكيف كنا نفسر
" إنهم يكيدون كيدا وأكيد كيدا " ؟!
الكل أجمع ما كنا لنتوقع أبدا ما حدث. وما كنا لنتخيله يوما من الأيام. وأستاذ التاريخ الذي سألوه ماذا يقول التاريخ وقال بأن خبرته الطويلة فى التاريخ تقول بأن تدافع الأحداث يؤدى إلى نهاية حتمية , قال : "كنت أتوقع أن يحدث هذا لكن لم أتوقع أن يحدث بهذه الروعة "
إنها عبرة لمن أراد أن يعتبر وعظة لمن كان له قلب. من كان يتصور أن تأتى الضربة من الفئة المستضعفة وتأتى بهذه القوة. إنها فئة الشباب نعم تلك الفئة التي لا حول لها ولا قوة. التي كأنما وضع مخطط محكم الضبط لإضعافها بل لهدمها, وكأنه كان واضحا جليا لا يخفى على ذوى الألباب من هذه الأمة. وكأنه كان مخططا على كل المستويات وكافة الأصعدة لتمييع هؤلاء الشباب وتفتيت وحدتهم وإنهاك قواهم وجعلهم بلا هوية أو مرجعية أو ثقة أو هدف ولتعمية رؤاهم سواء كان ذلك على مستوى التربية أو التعليم أو الإعلام أو التثقيف أو التوعية والإرشاد ولم يسلم حتى جانب المستقبل , وهذا بديهيا فكيف يكون هناك مستقبل مثمر لحاضر مغيب فاقد الوعي مسلوب الإرادة منهك القوى والقدرات بل قل إن شئت كيف يستقيم المستقبل والحاضر أعوج ؟!
لكن تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن. الكل يريد والله يريد ولا إرادة بجانب إرادة ملك الملوك فاعتبروا يا ألي الألباب. فهذا درس من الأهمية بمكان أن نتعلم منه ونعى حقيقة الأمور وما عساها تؤول إليه على اختلاف الظروف والأحوال والأهوال ...
ونعلمه لأولادنا غير زائدين عليه ولا منقصين منه, علينا أن ننقل الصورة فقط كما هي بمحاسنها ومساوئها بما أصبناه وبما افتقدناه, بما فهمناه وبما استشكل علينا , بعشوائية البداية وحتمية النهاية ؟ بما احتوته من آلام وآمال, وإن غارت آلامها – إن صح التعبير أقصد مهما كان عمق هذه الآلام والجراح. وإن لاحت في الأفق البعيد آمالها. فهذا دورنا وواجبنا أيا كان الحال وأيا كان المآل.
وعلينا ألا ننحى البهجة من حياتنا إن أردنا النجاح, فبدون البهجة لا يكون شيئا على الإطلاق. فالبهجة طريق الإصرار والإصرار طريق النجاح والوصول.
وعلينا أن نعدل ما استطعنا إلى ذلك سبيلا فقد قال الإمام ابن تيمية " إن الله يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة ولا يقيم الدولة الظالمة وإن كانت مسلمة " فعلينا أن نعدل ولا نحيد عن الحق مهما كلفنا الأمر ...
وختاما لقد سمعت أناس كثيرين يعلقون ويعقبون على الثورة ويفسرون ويقرأون الأحداث كل على وجهته واختصاصه من خبراء عسكريين واستراتيجيين وخبراء وفقهاء دستوريين ومفكرين إسلاميين ودعاة ومشايخ وعلماء وأساتذة جامعيين وكتاب ومحامين وقد قالوا الكثير والكثير ...
وقد قرأت الأحداث في ثلاث كلمات ... وتُقَدَّرون فتسخر الأقدار ...
حيث باتوا يدبرون ويخططون ويتآمرون ثم دارت الدائرة عليهم , يقول المولى عز وجل في كتابه الكريم " ولا يحيط المكر السيئ إلا بأهله "
خديجة المصرية
جمهورية مصر العربية الحرة
8 فبراير 2011
يوم الثلاثاء العظيم كما أسماه الثوار

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق